الجمعة، 24 أبريل 2009

(كان صديقي) "قصة قصيرة"

بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة بعنوان
{كان صديقي}

انا (عبد الله)
كنت اعيش في أحد أحياء القاهرة الشعبية,صديقي - أو من كان صديقي - إسمه مصطفى,كنت أنا وهو أصدقاء بمعنى الكلمة,كنا معاً في كل مكان,وكان أهل المنطقة يضربون الأمثلة بصداقتنا,كنت أرى نفسي في مصطفى,فهو يعشق الفول بالليمون كما أفعل,ويكره القطط السوداء كرهاً شديداً كما أكرهها أنا أيضاً,بإختصار,كنت انا ومصطفى شخصاً واحداً,وكان لنا الكثير من المواقف المضحكة و المفجعة,
كنا أحياناً أيام موالد الجماعة الصوفية نذهب إلى مساجدهم أو مقامات أوليائهم وندّعي أنّنا نؤدي طقسهم الشهير معهم,ثم فجأة قد يجد أحدهم أن هناك يداً نزلت كالسوط على قفاه ,فينظر حوله ليجد الكل منشغلاً في آداء الطقوس فيستسلم المسكين لأمره ويكمل ما كان يفعله,
ومن مواقفنا المحزنة معاً أننا كنا نسير ذات يوم في أحد شوارع منطقتنا فوجدنا ألسنة من اللهب تخرج من إحدى النوافذ في عمارة من عمارات الأحياء الشعبية المتهالكة,ثم فجأة وجدنا رجلاً عجوزاً ينظر من النافذة المجاورة لتلك النافذة المشتعلة لا يبدو عليه أي من علامات الخوف أو الفزع,ثم أغلق النافذة واستسلم لقدره,علمنا فيما بعد أن هذا الرجل ماتت زوجته بالمرض اللعين,وقد كان يحبها حباً شديداً ولا يتصور الحياة بدونها,فقام بإشعال النار في الشقة ليحرق نفسه مع ذكرياته الحزينة.
حينها حضر العزاء - الذي أقامه أهل الخير - كل سكان المنطقة وشعرنا جميعاً بحزن هائل على هذا الرجل .


كنت أنا ومصطفى في رمضان نصر على أن نتناول السحور معاً ونفطر معاً وفي العيد نصلي معاً وبعد الصلاة نضايق الأطفال الصغار ونأخذ منهم حلواهم وألعابهم البسيطة التي لا يتعدى ثمن أغلاها الثلاثة جنيهات لنبيعها بسعر أعلى أو نكسرها أو حتى نلقيها في الشارع بدون أي إستفادة لنا (ونعم الإيمان) .

كلما تذكرت هذه الأيام الجميلة , أشعر بأن قلبي سيتحطم من الحزن,أحقاً لن تعود هذه الأيام؟,أحقاً مصطفى لم يعد صديقي؟
تساؤلات أعرف إجابتها لكني أخشى مجرد الإقتراب من ذكرها.

كنت انا ومصطفى نستمع للأغاني الشعبية معاً ونحفظ كلمات كثير من الاغاني فنرددها في صوت واحد.
واحياناً كنا نستمع لأغاني {عبد الحليم}
ونتخيل المستقبل وما يخبئه لنا من مفاجآت أثناء إستماعنا له,كنت أشعر أن صداقتنا ليس لها نهاية وأن الزمن لن يمكنه أبداً تفريقنا,لكن ها أنا الآن أجلس وحيداً بدون مصطفى أكتب عن تلك الأيام التي ذهبت ولن تعود.


أنا في أوقات كثيرة أجلس مع نفسي أتذكر ما حدث وفجأة تنفجر عيناي بالدموع المريرة ولكني مضطر لكتابة ما حدث فقد تكون هذه آخر كتاباتي ولا يمكنني التوقف فأنا أشعر بأني على عتبات النهاية.

ظللت أنا ومصطفى معاً حتى ارتدنا الجامعة التي بدأت فيها النهاية,كنا حينها في أيام نكسة يوليو 67 التي أصابت الكيان الوطني في مقتل,كان الناس يشعرون باليأس من محاولة مصر لرد العدوان,وكان أعداؤنا يحاولون معرفة أي أخبار عن مدى إستعداد مصر للحرب,وذلك بإصطياد الشباب اليائس وإغرائهم بالأموال والسفر للعمل بالخارج وذلك لمجرد معرفة بعض المعلومات.
وانا في هذا الوقت كنت قد بدأت في معرفة طريق المخدرات المظلم.

كان مصطفى يوبخني بشدة على ما أفعله ولم يشعر باليأس يوماً من محاولة إصلاحي وإبعادي عن طريق الذهاب بلا عودة.

بدأ مصطفى في الذهاب للمظاهرات والدخول في جماعات الثورة على الحكم وترقى حتى أصبح رئيساً لإحدى الجماعات.
فبدأ بعض الطلبة العملاء الخونة في إغرائي بالمخدرات حتى أوقعوا بي فالمدمن يمكنه فعل أي شئ حتى ولو كان خيانة صديقه الوحيد للحصول على المخدر.

وكنت أسأل مصطفى عن بعض المعلومات عن جماعته بحجة أني ربما أدخل معهم وكان هو يسر بذلك ويخبرني بكل ما أريد معرفته على أمل أن أفعل شيئاً مفيداً لوطني ولكن لسوء حظه كنت أفعل آخر ما يمكن أن يتخيله وهو خيانة وطني وخيانته ,وبالطبع بعد أن يعطيني المعلومات كنت أذهب للعملاء وأخبرهم بكل ما قاله مصطفى لي لأحصل على نصيبي من المخدر.

آه وآه وآه على هذه الأيام..........تأوهات لا نهاية لها ولا أعلم طريقة لإنهائها سوى الإنتحار.

بعدها علم مصطفى - بطبيعة الحال - بخيانتي له , فأتى إلي في المنزل وواجهني بكل ما فعلته معه ,كنت انا وقتها تحت تأثير المخدر.
بعد مواجهته لي بأفعالي الدنيئة قلت له:اغرب عن وجهي,فقال:أعلم أنك تحت تأثير المخدر وانك لا تعني ما قلت ,
قلت له:بل أعنيه,أنا لا أريد صداقتك ولا أريدك في حياتي.

أكتب هذه الكلمات ويداي ترتجفان بشدة ولكن لابد من المواصلة.

بعد ما قلت له ما قلت قال سأعود في وقت تكون قد أفقت فيه وعدت لعبد الله صديقي الذي أعرفه,لم أعي له بالاً وواصلت ما كنت أفعله.

أتى إلي صباح اليوم التالي وقال:اعلم أنك لم تقصد خيانتي وانك إضطررت لهذا,وأعلم أيضاً أنك لم تعنِ ما قلته بالأمس فأتيت لأقول لك بإني تخليت عن الجماعة ورئاستها حتى يتركك الأعداء في حالك.

قلت له :مصطفى,أنا سأسافر
ذُهل بشدة وقال:إلى أين؟؟
قلت:إلى إيطاليا,لقد وفروا لي فرصة عمل هناك وسأسافر ولن تراني ثانية,
قال:أمازلت مخدراً؟
قلت :لا, أنا سأسافر حقاً الليلة,
قال:ولكن............ولكن
قلت لا يوجد لكن,لقد حسمت الأمر وسأسافر,

قال أتتخلى عني يا عبد الله؟,أتتخلى عن صداقتنا ؟, أتتخلى عن أيامنا الجميلة معاً؟ أتتخلى عن كل هذا؟.

قلت هذا أفضل من بقائي هنا وخيانتك,قال:ولكني سامحتك,قلت :وأنا لم أسامح نفسي يا مصطفى,ولن أسامحها أبداً.

قال:ولكني تخليت عن الجماعة لأجلك,تخليت عن واجبي الوطني لأجل صداقتنا,وبعد كل هذا تتخلى انت عني؟ لا ,أنت لست عبد الله الذي أعرفه,أنت إنسان مختلف تماماً,إنسان مدمن للمخدرات مات قلبه وماتت أحاسيسه,عبد الله , إعلم أنك بسفرك هذا تقضي على صداقتنا نهائياً,ولتعلم أيضاً بأنك إذا رحلت سترحل أيامنا معاً إلى الأبد.

قلت:أعلم كل هذا ,وأعلم أيضاً أن ضميري سيقتلني إذا بقيت هنا , لذا فالإبتعاد هو أفضل حل,مصطفى,أنت كنت صديقاً حقيقياً ,ولكن أنا لم أقدر هذه الصداقة ونسفتها نسفاً,استغللتك لأشبع شهواتي,استغللت حبك لي لأرضي نفسي التي لا ترضى,آسف يا مصطفى,لن أستطيع العيش على نفس الأرض التي تعيش عليها ثانية واحدة,ستظل الذكريات تطاردني وربما تؤدي بي إلى الإنتحار,مصطفى ....إذا كان هذا الفراق فليكن.

قال:أريد أن أقول لك قبل رحيلك بإني لن أنساك ما حييت...الوداع يا عبد الله ,الوداع.

وكانت هذه آخر مره أراه فيها, ويبدو أن يداي لن تقدر على كتابة كلمة أخرى من فرط حزني وهمّي.

{بعد يومين وجد الجيران جثة عبد الله متعفنة ,وقد تحجرت يداه حول صورته هو ومصطفى في طفولتهما , ويقال أن سبب الوفاة أزمة قلبية مفاجئة}
النهاية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق